من ذاكرة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية “جمّول” 1

الساعة تشير إلى الثالثة صباحاً. توقفت السيارة جانباً تتلطّى تحت أشجار الزيتون. والفجر بدأ بالبزوغ، وضباب الطقس الخريفي يلّف المكان. تأخر الرفيق ميلاد، كان يجب أن يصل قبل طلوع الشمس.
في الجهة المقابلة كانت كاشفات مواقع العدو تضيء المكان. كنّا نسمع نباح الكلاب الشاردة ونشاهد مرور بعض السيارات، مسرعة… قلقُنا يزداد على الرفيق ميلاد كلّما تقدّم الوقت.
رجَعتْ بِنَا الذاكرة لعدة أسابيع مضت، يوم ناقشت قيادة الجبهة تفاصيل مهَمة ستوكل إلى إحدى الرفيقات. دار النقاش حينها حول أسلوب تنفيذ المهمة لضمان نجاحها وسلامة حياة الرفيقة،
كنّا أمام خيارين: إمّا التنفيذ باستعمال مسدس وهذا سيُعرّض الرفيقة أقلُه لخطر الاعتقال بحال نجت من القتل فوراً، وإما التنفيذ عبر وضع عبوة في مكان الهدف، مما سيضمن السلام والانسحاب.
كان علينا أن نكون مستعدين لأي خيار يتم اتخاذه في اللحظة المناسبة. تم إيصال المسدس عبر الرفيقة وبقي موضوع العبوة. كان يجب إيصالها عبر التسلل إلى أقرب نقطة من مكان العملية التي يعد لها داخل المناطق المحتلة.
طلبنا من الرفيق ميلاد أن يختار رفيقاً من المجموعة التي كان مسؤولاً عنها ويعرف منطقة العملية جيداً، فأصرّ أنه هو نفسه من سيقوم بالمهمة.
كانت عملية التسلل إلى هذه المنطقة صعبة وخطرة، لعمقها الجغرافي ولوجود العديد من المواقع والمراكز التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي وعملائه، بالإضافة للمقار الأمنية ومساكن قيادات العملاء.
تلك، أخرجتنا فجأة من أفكارنا أصوات متفق عليها مع الرفيق ميلاد، كانت إشارة التعارف تغريده لزقزقة نوع معين من العصافير. تقدّمنا بحذر، وإذ بالرفيق ميلاد يطل بنفسه من بين الأشجار، التعب والإنهاك باديان عليه، وعلى الرغم من ذلك كانت ابتسامته تضيء محيّاه. ثم اتجه نحونا بهدوء وعانقنا.
لقد أتم المهمة بنجاح، صعدنا إلى السيارة، واتجهنا إلى مدينة صيدا الجنوبية. المدينة التي أحبّها، والتي رواها من دمه جريحاً يوم نفّذ مع رفيقه مازن أول عملية لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية داخلها عام ١٩٨٤.
احتسينا القهوة عند شاطئها، وفي موقع سرّي للمقاومة، رسم الرفيق ميلاد خارطة للمكان الذي خبّأ به العبوة.
– انطلقت رصاصات المسدس من يد بطلة من أبطال المقاومة على صدر العميل الأوُل.
– بقيت العبوة في مخبأها، لعلّها ستستعمل يوماً إذا ما حاول العدو مرة ثانية تدنيس أرضنا.
– رحل علي درّة (ميلاد) مبتسماً ومطمئناً، تاركاً وراءه ذكرى بطل شجاع وهب حياته في حماية الوطن والشعب.
انتسب إلى جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية منذ اللحظة الأولى لانطلاقتها مشاركاً في الكثير من العمليات النوعية. كان مقاوماً مميزاً وقائداً لامعاً في صفوف الجبهة “جمول”.