صرخة من قلب الذاكرة اليسارية

صرخة من قلب الذاكرة اليسارية

زينب اسماعيل
عن صفحتها في فيسبوك
28/10/2025

مرّ عام بعد المئة على تأسيس الحزب الشيوعي اللبناني.
عام على حزبٍ كان يومًا شرارة الوعي في هذا البلد، وكان منارة للعمال والفلاحين، وكان صوت الفقراء في وجه الإقطاع والاحتلال.
لكن ما نراه اليوم في ذكراه ليس سوى بقايا احتفال باهت:
خطب مكرّرة، سهرات فنية مدفوعة، صور تُنشر على وسائل التواصل وكأنها إنجازات، وبيانات لا تحمل شيئًا من نبض الأرض.

نعم، الفرح حقّ.
ونعم، الموسيقى جزء من الحياة.
لكنّ السؤال يبقى: عن أيّ فرح نتحدّث؟
هل يحقّ لنا أن نحتفل فيما الجنوب ما زال ينزف، وقرى كاملة مهجّرة، وأطفال ينتظرون العودة إلى منازلهم المهدّمة؟
هل يجوز أن تتحوّل ذكرى تأسيس الحزب إلى حفلة تُغلق أبوابها، بدل أن تكون نداءً يُفتح على الشارع والناس والكرامة؟

الحزب الذي أسّس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمّول)،
التي أخرجت الإسرائيلي من بيروت بدماء مقاتليه،
لا يمكن أن يكون اليوم مجرّد فلكلور مغلق.
الحزب الذي كان يُرعب السلطة ببيانٍ واحد، صار اليوم يكتفي بملصقٍ على “فايسبوك”.
الذي كان يُهتف باسمه في الشوارع، صار يُذكر فقط في المناسبات.
أهذا هو الحزب الذي أردناه؟
أهكذا يُحتفل بتاريخٍ صاغه الشهداء؟

ما نراه اليوم ليس احتفالًا، بل إعلان عجزٍ مقنّع بالفرح.
حزبٌ وُجد ليهزّ الأرض، أصبح يرقص فوقها.
حزبٌ وُلد من وجع الناس، أصبح يُنظّم سهرات بعيدًا عنهم.
حزبٌ أسّس جمول، صار يحجز الصالات بدل أن يحتلّ الساحات.

أين المبادرات التي تزعزع المتسلّطين؟
أين الموقف من الفقر والجوع؟
أين الحزب الذي كان أول من ينزل إلى الشارع وآخر من يغادره؟
إنها أسئلة موجعة، لكن لا بدّ أن تُطرح.
لأن الصمت اليوم خيانة للتاريخ، وخيانة لكلّ من سقط على هذا الطريق.

الحزب لا يُقاس بعمره، بل بفِعله.
وإن كان عمر الحزب أكثر من مئة عام، فذلك لا يُعفيه من أن يكون حيًّا، نابضًا، مؤثّرًا.
أما أن يتحوّل إلى مؤسسة تُقيم الذكريات وتجمع التبرّعات،
فذلك يعني أننا خسرنا الحزب وبقينا مع الاسم فقط.

هو حزب الناس، حزب الأرض والكرامة،
عليه أن يعود كما كان: صوتًا لا يهادن، فعلًا لا يُشترى، وذاكرةً لا تُزيّف.
عليه ان يكون احتفالًا في الشارع، لا في الصالات.
بيانًا يُربك السلطة، لا منشورًا يُجمع عليه الإعجابات. حزبًا يوقظ الخوف في قلوب الفاسدين، لا الرقص في ليالي الذكرى.

إن الحزب الذي علّمنا معنى الثورة،
يحتاج اليوم إلى ثورة في داخله،
قبل أن يُصبح هو نفسه أحد مظاهر الانهيار الذي حاربَه يومًا.

وليعلم الجميع:
أن الحزب الذي أسّس جمول لن يموت،
لكنّه الآن… يحتاج أن يُبعث من رماده.
لا بالتصفيق، بل بالفعل.
لا بالرقص، بل بالعودة إلى الناس.
هناك فقط… تبدأ الذكرى من جديد.

مشاركة هذا الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!