تخصيب اليورانيوم: القصة الكاملة…

تخصيب اليورانيوم: القصة الكاملة…

(جنوبية)

العلم يفكّر والتكنولوجيا تنفّذ، ومنظومة القيم تحدّد البوصلة الأخلاقية.

لا يمكن لأيٍّ من هذه المجالات أن يعمل دون الآخر، فالعلم والتكنولوجيا دون أخلاق قد يؤديان إلى كوارث إنسانية مُحققة. عندما وضع عالم الفيزياء الفذّ ألبرت إينشتاين معادلته الشهيرة (E=mc²) التي تقول إنّ المادة لا تندثر بل تتحوّل إلى نوع من أنواع الطاقة، لم يعلم أيّ مارد خطير أخرج من قمقمه.

هذه الطاقة، التي عُرّفت بالطاقة النووية أو الذرّية، لها جانبان: سلمي إنمائي وعسكري إفنائي.

إنّ التقدّم الحقيقي لا يُقاس بما نملكه من تكنولوجيا، بل بكيفية استخدامها بشكل إنساني ومسؤول.

ويتحتم علينا أن نسأل أنفسنا دائمًا، كما سأل مارتن هايدجر: ماذا يعني أن نكون بشرًا في عصر التكنولوجيا؟

في خلفية الحدث: بين الحرب والتكنولوجيا
لأيامٍ خلت، تابعنا في الحرب الدائرة عمليات قصف لمنشآت نووية إيرانية، وتناهى إلينا مصطلحات جديدة مثل تخصيب اليورانيوم، والنسبة المئوية الآيلة إلى الاستخدام السلمي أو العسكري وغير ذلك.

ولأنّ الموضوع التقني له أبعاد وتداعيات جيوسياسية، لا بد من الفهم التقني ولو بحدّه الأدنى لفهم المشهد الكلي بشكل أفضل.

فما هي القصة الكاملة لتخصيب اليورانيوم؟

1. التعدين

اليورانيوم عنصر من عناصر الطبيعة الموجودة في قشرة الأرض، في الصخور الرسوبية والجرانيت، وبخاصة في صخور الفوسفات، لكن بتركيز منخفض لا يتعدّى 0.1%.

يُستخرج اليورانيوم من الأرض إمّا بشكل مباشر كما باقي الصخور، أو بضخّ محلول خاص لفصله وشفطه إلى أعلى. كما يوجد في مياه البحار والمحيطات لكن بكميات قليلة وصعبة الاستخراج.

أما أهم الدول المنتجة والمصدّرة لليورانيوم فهي:

أستراليا، كازاخستان، كندا، روسيا، ناميبيا، الكونغو، جنوب إفريقيا.

وبالنسبة لإيران، فهناك منجم واحد معروف في ساغند في مقاطعة يزد.

2. الطحن

يُسحق خام اليورانيوم المُعدَّن ويُطحن في مطاحن خاصة ليتحوّل إلى مسحوق تسهُل معالجته الكيميائية والهندسية.

ثم يتم خلطه بمحاليل كيميائية لفصله عن الصخور الأخرى والشوائب، ولزيادة تَركُّزه. بعد ذلك يُرشّح، ويُرسّب، ويُسخّن ليتحوّل إلى مادة تُشبه البودرة تُعرف باسم الكعكة الصفراء (Yellow Cake).

وبرغم هذا الاسم، يكون لونها في التقنيات الحديثة بين البني والأسود. بعد ذلك، توضع في أسطوانات أو براميل خاصة لنقلها إلى معامل التحويل.

3. غاز اليورانيوم

في معامل التحويل، تخضع بودرة الكعكة الصفراء لعمليات كيميائية متلاحقة وفق درجات حرارة معينة ومدروسة.

وفي العملية النهائية، وهي الأساس، تُخلط مع غاز الفلور على درجة حرارة 300 مئوية، ليكون الناتج الغاز الشهير سداسي فلوريد اليورانيوم UF6، وهو ما يُصطلح على تسميته غاز اليورانيوم، ويكون جاهزًا للتخصيب.

ما يجب ذكره أنّ عملية التحويل هذه تحصل في منشأة مؤمّنة، لأنّ غاز الفلور شديد السُمّية.

4. التخصيب (Enrichment)

في خام اليورانيوم الذي أصبح في الحالة الغازية، هناك نوعان أو نظيران (Isotopes):

يورانيوم رقمه الذري 235

وآخر أكثر ثِقلاً ورقمه الذري 238.

النوع الأول (U-235) هو القابل لشطر نواته لتوليد الطاقة، لكن نسبته تكون 0.7% فقط.

أي إذا أخذنا كيلوغرامًا واحدًا من خام اليورانيوم، سيحتوي على 7 غرامات فقط من U-235.

التخصيب هو آلية لزيادة نسبة اليورانيوم الخفيف إلى:

ما بين 3% و5% للاستخدام السلمي في توليد الطاقة الكهربائية (مفاعل بوشهر)،

أو إلى 90% وما فوق للاستخدام العسكري (تركيب قنبلة نووية).

5. جهاز الطرد المركزي

جهاز الطرد المركزي هو أسطوانة معدنية تدور حول محورها عموديًا بسرعات فائقة، يُضخ داخله غاز اليورانيوم، ويتعرض لقوة طرد (Centrifugal) بعيدًا عن المركز، وكلما كان الغاز أقل وزنًا يُطرد أبعد، بهذه الطريقة يُفصَل اليورانيوم الخفيف عن الثقيل.

(العملية تشبه إلى حد بعيد فصل المياه عن الثياب بواسطة الدوران السريع في الغسالات الحديثة، أو فصل زيت الزيتون عن المياه في المعاصر الحديثة).

يتم تركيب أجهزة الطرد على شكل سلاسل (Cascades) بهدف التخصيب التدريجي، بالانتقال من جهاز إلى آخر.

وتتراوح أعدادها في السلسلة الواحدة بين المئات والآلاف، وهذا يعتمد على عدّة عوامل، أبرزها:

استخدام الجيل الأول أو الأجيال الحديثة،السرعة،الثبات الفيزيائي للأجهزة، الوصول لهدف استخدام اليورانيوم المُخصّب.

الخاتمة

في الختام، كل ما ذُكر آنفًا هو ما يُطلق عليه “دورة الوقود النووي الكاملة”.

لكن أين وكيف.. ولماذا يُستخدم هذا الوقود؟

هنا يتداخل التقني بـ السياسي بـ الجيوستراتيجي، والأهم بـ الأخلاقي والإنساني…

وللبحث صلة…

المصدر: موقع جنوبية

مشاركة هذا الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!
آخر الأخبار